فـي مشهـد إنساني بليغ، تجــوب قوافل الجمعية المغربية للإغاثة المدنية منذ شهر أبريــل 2025 المـاضي، مختلف جهات المملكة المغربية حاملة شعــار «القلب الكبير»، في مبادرة وطنية تهدف إلى دعم الأسر المعوزة والمحتاجة عبر توزيع معدات وأجهزة طبية حيوية، وفي مقدمتها أجهزة قياس نسبة السكر في الدم
الحملــة تستمد قوتــها من قناعة راسخة لدى الجمعية، بأن الحق في الصحــة حق أساسي لكل مواطن، وبأن تمكين المرضـى من الوسائل البسيطة لتتبع حالتهم الصحية يمكن أن يجنّبهــم كثيرا من المضاعفات الخطيرة التي تثقل كاهــل الأسر والمنظومة الصحية على حـد سواء
منذ انطلاقتــها، اختارت حملة «القلب الكبير» أن تكون قريبـة من المواطــن حيث يوجد، فامتدت محطــاتها إلى مــدن كبرى وأخرى متوسطة، ووصلت إلى قــرى ومناطق نائية، غالبــا ما تعــاني من صعــوبة الولــوج إلى الخدمات الصحية المتخصصة
وتعمل الجمعية المغربية للإغاثة المدنية، وبتوجيه من المكتب المركزي، عبر مفوضياتهــا الجهوية وفرــوعها المحلية على إعداد برنــامج ميداني دقيق يحــدد المدن والجماعات المستهدفة، بتنسيق مع السلطــات المحلية والمصــالح الصحية و كذا عدد من الشركاء والمتدخليــن، لضمان تنظيم محكم يراعي خصوصيات كل منطقــة وحاجيــات ساكنتهــا. وفي كل محطــة، تتحــول ساحة عمومية أو قاعة متعددة التخصصات أو مركز اجتماعي، وحتى مركــز الدوار، إلى فضـــاء نابض بالحركة، يتقــاطر عليه المواطنون منذ الســاعات الأولى للاستفادة من هذه المبادرة الفريدة من نــوعها بالمغـــرب
وممــا لا شك فيه، أن الحملة الوطنية ” القلب الكبير” لا تقتصـــر على عملـية توزيع الأجهزة الطبية في حد ذاتها، بل تتعداه إلى ما هو أبعد، حيث أن عمليــــات التحسيـــس و التــوعيــة تشكــل نشــاطا أساسيــا و جوهــريا مكمــلا يــرافــق عمليـة التسليم من خلال حصص شــروحات عملية حول كيفيــة استعمــال الأجهزة، وكيفيـة قــراءة النتائج على الجهــاز، وأهمية مــراقبة نسبة السكــر في الدم بانتظــام، مع تقديــم نصائــح مبسّطــة وبلغة سلسة مفهومــة حـول التغذية المتوازنــة والنشــاط البدنــي
ويُشرف على هذه العمليــة أطر طبية و شبه طبيــة ومتطوعون مكــوَّنون، بما يضمــن أن يغــادر المستفيد وهــو قادر على استعمــال جهــازه الجديــد بثقة واطمئنـان
كما تُنظَّــم في بعض المحطــات جلســات قياس ميداني لمستوى السكــر والضغــط، ممــا يتيح الكشـف المبكر عن حــالات لم تكن على درايــة بوضعهـا الصحي
قلب الحملــة النابــض وضمانــة نجاحهــا، هو طاقم المتطوعيــن الذين يمثّلــون مختلف الأعمار والمستويــات، لكنهم يلتقــون حول رغبــة صــادقة في خدمة الآخريــن وترجـمة قيم التضامــن على أرض الواقــع
فمن مرحلـة التحضير وتجميــع الأجهــزة، مــرورا بعملية الشحــن وتنسيــق النقل، وصـــولا إلى الاستقبال والتنظيم والتوجيـه، يتـوزع المتطوعــون على مهــام دقيقـة تضمن سلاسة سير القافلة في كل محطــة. وتُظهــر الصور القادمــة من الميدان شبــابا وشابات وهم يستقبلــون كبار السن والنساء، يساعــدونهم في ملء الاستــمارات، يشــرحون لهم خطـــوات الاستفادة، ويحرصون على أن تتم العملية في أجــواء من الاحتــرام والكرامــة
أمــا المستفيــدون، فتختــزل وجوههم قصصــا عميقــة عن معانــاة يومية مع كلفــة الدواء والفحوصــات والأجهــزة، خصوصــا لدى مرضى السكــري الذين يحتاجون إلى تتبـع ومراقبــة دورية لمستـوى السكــر في الدم
فبالنسبة لأســرة محــدودة الدخل، قد يمثل اقتنــاء جهـــاز قياس السكـر وتجديــده عبئا ماليا ثقيــلا، الأمـر الذي يدفــع الكثيريــن إلى إهمــال المراقبة أو الاقتصــار على القيــاس في المناسبــات النادرة داخـل المــراكز الصحيـة، أو خلال الزيارات القليلة للقوافــل الطبية المنظمة بين الفينة والأخــرى بمبادرات مماثلــة
حين يتسلــم هؤلاء جهـازا جديدا مجــانا، مع كتيّب توضيحي وشروحات عملية، فإنهم لا يحصلــون فقط على أداة تقنيــة، بل على إحســاس بالأمــان والقــدرة على التحكــم بشكل أفضــل في مرضهــم
الأرقام التي حققتــها حملة «القلب الكبير» تعكس حجم الأثـر الذي تركته على الأرض، إذ تم توزيع ما يفوق 20000 جهاز قياس بالجهات الإثنى عشر كاملة، مع استهداف آلاف الأسر في كل محطة، وتعبئة مئات المتطوعين في كل قافلة
خلية الإعــلام بالمكتب المركزي للجمعية المغربية للإغاثة المدنية، بدورها تحرص على توثيق هذه الأرقام في تقــارير مفصلة، تتضمن توزيع المستفيدين حسب الجهة والجنس والفئة العمرية قــدر الإمكان، حتى تتمكن من تقييم التجــربة وتطويــرها مستقبــلا، وتقديم حصيلة شفـافة لشركائها وداعميها والــرأي العام
نجاح حملــة ” القلب الكبير” مـا كان ليتحقـق لــولا انخــراط شــركاء متعددين، من سلطات محلية وأمنيــة ومجــالس جمــاعية ومصــالح صحية ومؤسســات خاصة وفاعلين جمعويين، ساهم كل واحد منهم في تــوفير شروط نجاح مختلفة؛ فمنهــم من وفّــر الفضــاءات والتراخيــص، ومنهم من ساهم في الدعــم اللوجيستــي أو المــادي، ومنهم من تكفّل بالتواصــل والتعريــف بأنشطة الحملـة
هذا التشبيــك بين مختلف المتدخليــن يجعل من «القلب الكبير» نمــوذجا للتعاون بين المجتمــع المدنــي والمؤسســات العمومـية والقطــاع الخاص في مجــال الرعاية الصحية الاجتماعية. كما يمنح الجمعيــة قاعــدة صلبة لتوسيــع شراكاتــها خلــال النسخ المقبلة، واستقطــاب داعمين جدد يؤمنــون بأهمية الاستثمار في الوقــاية والصحة المجتمعية
ومع نجـــاح الدورة الأولــى، لا تنظــر الجمعية المغربية للإغاثة المدنيــة إلى حملة «القلب الكبير» كحــدث عابــر أو ظــرفي ينتهي بانتهاء القافلــة، بل كمشروع متجــدد يتطــور بتطور الحاجيات والتحديات
فالتوجه المستقبلي يشمل، إلى جانب توزيــع الأجهزة، العمــل على إدماج برامج للمواكبـة الصحــية عن بعد، وتكثــيف الورشات التوعــوية، وإقامة شراكــات مع أطبــاء ومراكز صحية لتسهيل الولــوج إلى الاستشــارات لفائدة المستفيدين الأكثر هشاشة
بهذه الرؤية، تتحــول الحملة من مبــادرة لتوزيع المعــدات إلى مسار متكامــل لبناء وعي صحــي مجتمعي ودعم مستــدام للأسر المعوزة
بهذه الجهود المتضــافرة، تواصل قوافل «القلب الكبير» عبــور جهات المملكة، حاملة معها رسالة واضحة: أن المغــرب، بمؤسساته ومجتمعه المدنــي ومواطنيه، قــادر على أن يصنــع الفارق حين تتجسد قيم التضامن في مبــادرات عملية قريبـة من النـاس، تنصــت لاحتياجاتهم وتقـدّم لهم ما يمكن أن يحفـظ صحتهـم وكرامتهـم




